2011/12/29

الميدان عنواني والدقّاق حارتي


مساء يوم الأحد 18 كانون الأول 2011 انهالت عليّ الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتشييع فتاتين في دمشق ... تضاربت الأنباء حول قصّة استشهادهما ... بعضهم قال أنّ الأمن صوّب رصاصه نحو مسيرة طلابيّة، وأنّ إحدى الشهيدتين طفلةٌ لا تتجاوز العاشرة ... بعضهم قال أنّ الأمن خطف الجثتين ولن يكون هناك تشييع ... وبعضهم خلص إلى أنّ إحداهما لا تزال حيّة جريحة في أحد المشافي ... لكنّ الجميع كان متّفقاً على التوجّه إلى الميدان للتشييع أو التشييع الرمزي لا فرق .. الكلّ غاضب وهي فرصةٌ للتظاهر بكثافة.
في الصباح استيقظت على حلمٍ مزعجٍ جدّاً، كان أصدقائي بحاجة لي ينادوني من كل الجهات،  لا أستطيع تمييز ما يريدون، أحدهم أرادني أن أكون بينهم في دمشق .
آلاف الأميال بعيدة عنهم ، لم يكن لي حيلة إلاّ أن أتشبّث بجهازي الالكتروني علّه يستطيع أن يبثّ لي شيئاً مما يحصل هناك .. أقلّب صفحات الفيسبوك وأقرأ سطوراً خربشها أصدقائي قبل أن يخرجوا للتشييع ... نصف ساعة مرّت لا خبر ولا شيء أستطيع تتبّعه ... إلى أن صادفتُ على التويتر رابطاً لبثٍّ مباشر من هناك ...
هنا الميدان الشاشة ملآى بالبشر والأصوات تتصارع عبر الأثير الالكتروني الرّث لتصل إلى حيثُ كنتْ... انفصلتُ للحظاتٍ عمّن حولي وشعرتُ كأنّي بينهم ... أهتف كما يهتفون وأتنفس الترقّب ...
كان ذلك اليوم بدايةٌ لأسبوعِ انتفاضةٍ في دمشق، ليس الميدان وحدها بل معها القدم والزاهرة وركن الدين وبرزة و و و ... كنتُ أتابع كلّ حدث، أبحث عن رفاقي ، أحسدهم وتقتلني كلّ دقيقةٍ حقيقة أني لستُ بينهم .

في آخر الأسبوع وفي محاولة من النظام لتضليل الإعلام ولجنة المراقبين العرب المرسلة إلى سوريا استطاع بسيناريو معين تفجير مركزي أمن هامّين ضحاياه دماءٌ سوريّة .

عدتُ إلى دمشق وكانت انتفاضة الأسبوع المنصرم قد خمدت، رائحة الدمّ السوريّ المُراق في الميدان والقدم وتفجيري كفرسوسة والجمارك تعبق في دمشق، كان للمدينة وجه آخر صامتٌ حزينٌ جريح، حتى أعتقدتُ أنّ الطوق الأمني الذي فُرِض بعد التفجيرين استطاع إسكات المدينة ...

غداً الخميس دعواتٌ أخرى للتوجّه بأعدادٍ كبيرة جداً نحو الدّقّاق وشارع أبو حبل في الميدان في مظاهرةٍ سُمّيتْ بمظاهرة الكرامة لِتثبتَ دمشق للمراقبين العرب سلميّة ثورتها وحقيقة ما حصل الأسبوع الماضي في شوارعها... بالمقابل أطلق مؤيّدي النظام دعواتٍ لمسيرة تأييد في نفس المكان قبل ساعةٍ من موعد المظاهرة كما سمعت أنباءً عن فرض طوق أمنيّ شديد على المنطقة... فرحي الآن بمظاهرة الغد ليس لوجود المراقبين (أصلاً لم يؤكد مجيئهم بعد)  لكنّ فرحي بأنّ دمشق (وكعادتها) خبّأت لي بعضاً من الإثارة وربّما الغاز المسيل للدموع ...

نعم أنا شوفينيّة بحبّ دمشق حتّى ولو كانت تحت الطوق ... غداً الميدان عنواني والدّقّاق حارتي ... 

2011/12/06

رزان غزّاوي ... درس في الإنسانيّة


رغم أنّي نشرت بيان زملاء رزان في التدوين السوري لكنني (كفلسطينيّة) شعرت أنّ عليّ أن أكتب لها المزيد ، ربّما لأنّي (كفلسطينيّة أيضاً) أدينُ لها بالمزيد...

كثيرٌ من المشاعر تعتصر قلبي منذ لحظة سماعي للخبر، جميعُ المحاولاتِ لكتابة أيّ شيء باءت بالفشل .. سطورٌ كُتِبت ثم مُسِحت لسخافتها وعُقمها ...  

ماذا كنت تفكر عندما ضغطت على الرابط الذي أوصلك إلى هنا ؟؟!! أتتوقع أنّي أستطيع كتابة ولو سطر واحد ؟؟!!

غادر هذه الصفحة ... أتركني مع أحزاني وجرّب الضغط على هذا الرابط علّك تأخذ درساً في الإنسانية 




2011/12/05

الحريّة للصديقة و المدونة رزان غزاوي #FreeRazan




بالكاد تنفّسنا الصعداء بعد الإفراج عن زميلنا حسين غرير قبل أن يعود اختناق الغضب والحزن ليذكّر صدورنا بواقع القمع والكبت وعبادة الصّمت الذي نعيشه.. وردنا خبر اعتقال زميلتنا رزان غزّاوي.
رزان غزّاوي
سوريّة بامتياز.. سوريّة بعملها المحموم للمرافعة عن القضية الفلسطينيّة وﻻجئيها في وسائط الإعلام اﻻجتماعي باللغتين العربيّة واﻻنكليزيّة، سوريّة بالتزامها بكل قضايا التقدّم والعدالة اﻻجتماعيّة والمساواة، سوريّة بوقوفها مع الأحرار في طريقهم لنيل الحرّية والكرامة.. رزان صوتٌ ﻻ يريد له الصمت إﻻ أعداء الحقّ والكرامة والعدالة والحرّية.
نطالب السلطات السوريّة بالإفراج الفوري عن رزان غزّاوي وعن كلّ معتقلات ومعتقلي الرأي والضمير والكرامة، ونحمّلها مسؤوليّة أي أذى قد تتعرّض له، كما نطالبها بكف سياسة القمع الإرهابي الرعناء بحق المواطنين السّوريين، وندعو جميع أنصار الحقّ والحرّية للتضامن مع رزان غزّاوي، معنا، مع سوريا..!


2011/11/27

بحصة في حمص : تحيّة و قهوة حمصيّة

تسمع الكثير عن حمص مما يكفي لأن تتخيّل أنّك ستدخل إلى مدينة خرابٍ وأشباحٍ ونحيب، أو أنّك سترى أناساً حزينةً يائسةً جريحة، لكنّها يا صديقي ليست كذلك ... المدينة لا تزال صامدةً قويّة تضعضعت قليلاً هنا وهناك فقط لتذكّرك بالليلة الماضية ... سكّانها طيور فينيق نفضوا غبار القصف الليلي وخرجوا ليبعثوا الحياة للمدينة ولنا من جديد...

أَثارَ التجوّل في شوارع حمص أسئلة كثيرة في أذهاننا .... تجمّعنا حول صديقنا الحمصي في أحد الشوارع نحتسي قهوةَ طريقٍ دافئة، وبدأت الأسئلة تنهال عليه منّا بعد صمتٍ طويل ... سألناه عن كلّ الأخبار التي سمعناها عن حمص، عن اعتصام حمص ، عن مشاهد القصف والقتل والتدمير، وعن أعراس الشهادة والحريّة اليومية ... قصّ علينا كلّ شيء ... أخبرنا عن أنواع الأسلحة التي استخدمت في حمص عن الرشّاشات والدبّابات، المدفعيّات والطائرات بلا طيّار، وعن أنواع الغاز التي استُعملت ضدّ المدنيين...
أحصى لنا أعداد الشهداء هنا وهناك وقصّ علينا قصص أسماءٍ انتشرت على الانترنت واكتشفنا أننا لا نعرف إلا اليسير من هذه القصص ..كثيرةٌ هي القصص التي لم أستطعْ أو لم أردْ تصديقها ... وأكثرُ هي القصصُ التي لم تقصّ بعد أو حتى لن تقصّ ابداً...

حان موعد الغداء واتجهنا إلى منزل أقارب صديقنا الحمصي لاصطحاب زوجته من هناك، توقّفنا بعدها لاحضار الطعام، جلستُ في السيارة مع زوجة صديقنا، قصّت علي قصّة ابن أختها التي كانت في زيارتها توّاً، خُطِف منذ عدّة أيّام خلال عمله كسائق سيارة أجرة ، وجدوا السيارة البارحة والشّاب لا يزال مفقوداً أنهت السيدة القصة .. أخفيتُ دموعي بينما كانت تداعب ابنها الصغير ذو الثلاث أعوام وتقنعه بأن يغني لي أغاني عبد الباسط ساروت ...

وصلنا إلى الحي كانت السيّدة لا تزال تقصّ علي قصص الخطف والخوف ... أبدَت أسفها كيف أنّ الناس تمارس حياتها خارج أسوار حمص باعتيادية ، بينما هي لا تستطيع إرسال ابنيها إلى المدرسة خوفاً من ألاّ يعودوا يوماً، قالت لي في حمص لا يمرّ يوم علينا دون أن نسمع إطلاق رصاص أو قصة اختفاء أو استشهاد أو دون أن نشهد مداهمة واعتقالات ...

حدّثتنا السيّدة أنّ أقاربها كانوا في زيارتها الأسبوع الماضي لكنّ شيئاً لم يحصل في حيّهم،  ولا حتى إطلاق رصاص ، فانزعجت هي وقالت في سرّها : " انخزينا ... هلئ بيئولوا ما في عنا شي بحمص !!! "

ما إن نزلنا من السيّارة حتّى سمعنا صوت إطلاق مشط رصاص متواصل ... ابتسمت السيّدة وانفرجت أساريرها ... ها قد حيّتنا حمص لتوّها...

تناولنا الغداء وتحوّمنا حول الناشط الحمصي ثانية ليقصّ علينا قصصاً أخرى ... كان يسرد القصص ويرى الذهول في عينينيا فيبادر هو أو أحد أبنائه بترديد شعارٍ باللهجة الحومصية  ليلطّف الجو ويخفّف من صمتنا وذهولنا ... كان ما إن ينتهي من قصّة أبكتنا حتى يبتسم ملئ شفتيه  ويبدأ قصّة أخرى، و من جديد يجتهد بأن يرمي دعابة أو هتاف بين قصّة رصاصة وأخرى .. من الصعب جداً تفسير نفسية صديقنا الحمصي يتقافز مبتسماً بين ذكريات الموت ... و بالنسبة له كلّ يومٍ جديدٍ يعيشه انتصار، كلّ مظاهرة يخرجها انتصار ، وكلّ نعش يلفّه حول صديقه الشهيد انتصار ..

عَلَتْ أصوات المآذن تدعو لصلاة العشاء وبدأ صديقنا الحمصي يجري الاتصالات ليعرف أين سنتظاهر الليلة ، وبعد أخذٍ و رد قرّر أن نتظاهر في نفس حيّه في الخالديّة، لأن أوصال حمص مقطّعة بحواجز مزعجة ، وسيكون من الصعب علينا نحن (الشوام) أن نجتازها... أشار لابنه ذو السبعة عشر ربيعاً أن يصحبنا وأصرّت زوجته على مرافقتنا للبقاء مع الفتيات، خرجنا من المنزل وكان الحمصي الابن قد بدأ بترنيم أناشيد الثورة وترديد الهتافات متمنياً أن يأتي عبد الباسط ساروت ليحيي الحفلة في ساحة الخالدية...

2011/11/16

بحصة في حمص : حمص المدينة "المنكوبة"

قبل دخولنا إلى حمص حمل أحد الأصدقاء كاميرته وبدأ بالتصوير، وإذ بنا نتفاجئ بأول الحواجز عند مدخل حمص، سارع صديقي إلى حذف التصوير وإطفاء الموبايل فقد كنّا خائفين وحجّتنا في الدخول واهية جداً، لوّح لنا العنصر بالدخول دون أن يطلب الهويات، كان الحاجز عادياً جداً عزوتُ السبب إلى العيد!


دخلنا المدينة وتواصلنا مع الرجل الذي تبّرع باستقبالنا خلال الزيارة والتقينا به في أحد شوارع المدينة  نظر الى السيارة وقال "خلّو الصبايا بالسيارة والشباب تعالوا معي"، أبديتُ أنا ورفيقتي انزعاجاً كبيراً، جلسنا ننتظر ونراقبهم من بعيد ، توجّهوا نحو أحد الجوامع غابوا قليلا ثم خرجوا يتجادلون مع الرجل وعادوا إلينا، أخبرنا صديقنا أنّ في الجامع عزاءٌ لأحد الفتيات قتلت على يد رجال النظام وأخوها في الداخل يتوعّد بتفجير القصر الجمهوري أمام العالم أجمع !!! نعته صديقي بالمجنون !!!

عرض علينا الرجل الحمصي جولة في المدينة، انقسمنا الى قسمين قسم بقي في سيارتي والقسم الاخرفي سيارة الرجل كان أصدقائنا في السيارة الأخرى ذوي الحظ الأوفر فالرجل يخبرهم عن قصص كلّ شارع نمرّ به أمّا نحن نكتفي بملاحقنهم والتفرّج بصمت...
كانت الدولة غائبة تماماً عن المدينة لا شرطة مدنيّة ولا شرطة مرور ولا تقيّد حتى بإشارات المرور،  القمامة اغرقت الطرقات في كل زاوية وشارع، اللوحات الإعلانيّة مكسّرة وممزّقة وتستطيع أن تلحظ هنا وهناك في حائط ما آثاراً لرصاصة طائشة أو رصاصتين..
الوجوه بلا تعبير تركوا التعبير للجدران التي كانت مليئة بكتاباتٍ مُحيت عدّة مرّات لكنّها عادت لتفرض نفسها رافضةً للنظام والرئيس ومستهزئة ب"الرواية الرسمية"، كما رُسم علم الاستقلال كبيراً واضحاً على أكثر من حائط وعلى أبواب المدارس ..

وصلنا الى حاجز آخر كان من الواضح أنّ هذا الحاجز أهمّ من الحاجز السابق فالعناصر أكثر والتفتيش أدق، أوقفوا السيارة فتّشوا كل شيء حتّى أبواب السيارة وأخذوا الهويّات الشخصية...
كان مرافقنا الرجل الحمصي  قد أنهى التفتيش حين حوّل العنصر الذي على الحاجز هوياتنا الى باص كبير يقف على طرف الحاجز من الواضح أنّ من به أعلى رتبة من العناصر الآخرين، توجّهنا الى الباص خائفين نوعا كنّا نعتقد أن في الباص وحدة مخابراتيّة فيها كمبيوتر (مثلاً) وعليه أسماء وبيانات وما إلى ذلك  لكن الخوف زال عندما وبكل سذاجة نظر الضابط الى الهويات ثم حدق في وجوهنا وأعاد الهويّات وأشار لنا بالتحرّك.
لا جهاز كمبيوتر ولا قائمة سوداء ولا غرفة مخابراتيّة فقط سليقة الضابط اكدت له اننا لسنا ممن يبحث عنهم.

في هذه الأثناء غاب الرجل الحمصي مع صديقينا التفتنا يميناً شمالاً ولم نجده فقرّرنا أن نتابع طريقنا حتى لا نثير الشك، خطوات بعد الحاجز وحوالي العشرين عنصر موجهين أسلحتهم نحونا وصلنا الى دوار كبير وشارع ذو اتجاهين مشي الدولاب لخطوات وإذ به يتأرجح بنا. كنا نمشي على بساط من الطلقات الفارغة وعلى الأطراف آثار دبابة خرّبت زفت الطريق...
على يميننا بناء تداعت زاويته تثبت لك خطوات أخرى أنّه ليس الوحيد "المنكوب" في الشارع، أبواب البيوت مليئة بثقوب الرصاص، شرفات المباني مصدّعة وثقوبٌ كبيرة في كلّ واجهات المحلّات المعدنيّة ومن بين الثقوب عيون ترصدنا باستغراب شديد فنشعر أنّنا  الأحياء الوحيدين في شارع موت.
وصلنا إلى نهاية الشارع فوجدنا دبابة إلى اليمين وجهت فوّهتها إلى الحي وتأهّب الجندي بجانبها عند اقترابنا، هنا تأكدنا أنّه لا بدّ من مكالمة صاحبنا الحمصي لنعرف أين هو أو أين نحن ! كنا نخبره أنّنا وصلنا إلى مقبرة لم يتعرّف عليها حين انقطع الاتصال فجأة ليتركنا مذهولين، عندها قررنا أن نعود أدراجنا من نفس الطريق فما بعد المقبرة طريق ترابي أشبه بطريق إلى خراب..

تراجعنا وفوّهة الدبّابة ترقبنا كما العيون المختبئة ، استطعنا مكالمة الرجل الحمصي بعد عودة الاتصالات، عندما التقينا سألناه عن تفسيرٍ لما شاهدناه أخبرنا أنّ هذا الشارع أقل "نكبة" من شوارع غيره في حمص كان اسم الشارع جورة العرايس ....


2011/11/14

بحصة في حمص ... سلسة متواضعة تنقل بعضاً مما رأيت وسمعت في حمص

أستيقظ أوّل أيّام عيد الأضحى - ككلّ صباح - أعدّ ضحايا الليلة السابقة وأحاول تنبّؤ الرقم لليوم، أرفض تهاني العيد بغضب من أصدقائي..  أيّ عيدٍ هذا نستقبله بالدماء ودموع الثكالى.

تحاول شوارع دمشق التظاهر منذ الصباح لكن صوت المراجيح كان أعلى، لا بأس... على الإنسان أن يعيش مهما كانت الظروف وعلى الثورة ألاّ تعيق الحياة ... هكذا حاولت تبرير ضحكات الأطفال ومظاهر العيد حولي.

أسمع الأنباء من حمص .. تذكرت شاباً تعرّفت عليه مؤخراً فلسطينياً مثلي أجّل حلمه الفلسطيني وانضمّ إلى ركب الثورة.. كان قد أخبرنا يوماً أنه ذهب إلى حمص، تظاهر هناك وعاد منتشياً، قال يومها : " من لم يتظاهر في حمص لم يتظاهر أبداً "

لم لا ... إنّه العيد لاعمل لديّ أو ارتباط ومن السهل جداً الدخول إلى حمص بحجّة " العيد " فلنذهب إلى حمص إذاً...

أخبرتُ صديقي فأبدى استعداده في أيّ لحظة، وطلب منّي أن أنتظر ريثما يتواصل مع شخصٍ من حمص يؤمّن لنا دخولنا ومكوثنا هناك ....

عدتُ إلى المنزل مساءً، فتحتُ التلفاز: " الهيئة العامة للثورة تعلن حمص مدينة منكوبة" ويتلوها صوت قصفٍ مدمّر ..
فتحت حسابي على التويتر فتوالت الأخبار حول هول هذا القصف ... خبراً بعد خبر :

  •  أنباء متواترة عن قصف شديد لم يسمعه أهالي حمص من قبل، لدرجة أنه ينبه أجهزة إنذار السيارات الواقفة على بعد 2 كلم من حي بابا عمرو #Syria #SOS
  • #Syria #Homs أصوات الانفجارات مستمرة بنايتنا عم ترقص وقب دقائق اتصل صديق من منطقة بستان الديوان ليخبرني بانفجار قنبلة بالقرب من غرفته
  • أصوات الانفجارات القادمة من بابا عمرو مرعبة.. مرعبة... . الصوت مسموع بمعظم الأحياء. البيوت عم تهتز من أصوات الانفجارات.. #HOMS
مرعبةٌ كانت هي الأخبار بالنسبة لشخصٍ ينوي الذهاب إلى حمص بعد ساعات!!!  يتّصل صديقي ليخبرني أنّ كلّ شيء جاهز وسننطلق غداً عند الظهيرة كما سينضمّ إلينا بعض أصدقائه  .. أقاطعه: "حمص تحت القصف الآن"، يضحك ويقول "بعرف".. يغلق الخط ويتركني في ذهول !

ظهيرة اليوم التالي ذهبتُ إلى منزل صديقي، كان هناك شابّين وفتاة لا أعرفهم.. شابٌ سيرافقنا إلى حمص و الشاب الآخر جمع أسماءنا أرقامنا ووعدنا أن يفتح لنا صفحات "شهداء" على الفيسبوك في حال تأخرنا إلى ما بعد منتصف الليل .. في الطريق إلى خارج دمشق انضم إلينا شاب ثالث 

انطلقنا فتاتين وثلاثة شبّان باتجاه حمص المدينة المنكوبة...

2011/10/26

لم يعد الصمت ينفع بعد اليوم .... الحرية للمدوّن حسين غرير


"لم يعد الصمت ينفع بعد اليوم، لا نريد وطناً نسجن فيه لقول كلمة، بل وطناً يتسع لكل الكلمات".

آخر ما طالب به المدون السوري حسين غرير على مدونته, وها نحن اليوم ندوّن بأسى خبر اعتقال زميلنا حسين، من دون معرفة أسباب الاعتقال أو المكان الذي تم اقتياده إليه.

حسين, ذو الثلاثين ربيعاُ, متزوج وأب لطفلين, شارك في العديد من حملات التضامن مع الأخوة الفلسطينيين في حرب الكيان الصهيوني على غزة, ودوّن عن حرب الكيان ضد لبنان في 2006 وكان من البارزين في تنظيم حملة "مدونون سوريون من أجل الجولان المحتل" منذ سنوات, والمشاركين في حملة اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف.

رُهاب الحرّية والكره العميق للأحرار هو ما يجعلهم يعتقلون حسين، الكلمة هي سلاح حسين وسلاحنا، ونريدها أن تكون سلاح جميع أنصار الصوت مقابل الصمت. ندعوكم لرفع الكلمة وإعلاء الصوت من أجل حرّية حسين غرير وحرّية جميع معتقلي الرأي وأسرى الضمير في زنزانات سوريا.

نطالب السلطات السوريّة بالكشف عن مصير حسين وجميع أصدقائنا، عرفناهم شخصياً أم ﻻ، من أسرى الرأي والإفراج الفوري عنهم لما في اعتقالهم من مخالفة للقانون ولحقوق الإنسان، ونطالب أيضاً بوقف اﻻستقواء المخزي على أصحاب الرأي والكلمة. فالقوّة العمياء، مهما كبر حجمها، تبقى عمياء: تتعثر بنفسها وتسقط ...

عشتم وعاشت سوريا



2011/10/20

وداعاً علاء ... شهيد الإنسانيّة

عدت إلى المنزل مساء السبت وكان قد زال الشعور بالاضطراب وبدأ المظهر الدمويّ بالتلاشي لأتذكّر اللحظات الجميلة التي مرّت خلال التشييع، تذكّرت لحظة فشلتُ في تقدير عدد المشيّعين ، تذكّرتُ لحظة حملتُ النعش وودّعت الشهيد، ولحظة رفرفت بالعلم السوري وكأنّه علم بلادي الأولى، أجل كنتُ فرحةً بعض الشيء رغم الثلاثة شهداء ودماء الجرحى على ساعدي.
وصلتُ إلى ناصية الشارع حيث أسكن فوجدتُ عزاءً خجولاً ، كان بادياً على وجوه الناس أن الميّت قد مات حديثاً،فالنعوات لم تُلصق على الجدران بعد، ولم يحتشد غير بضع رجال أمام منزل، حسبته شيخاً هرماً من شيوخ حارتنا، أخفضت مذياع السيّارة وتوجّهت إلى المنزل، ماهي نصف ساعة حتى أتت صديقة لأمي لتخبرها أنّ من مات في حارتنا هو شاب في مقتبل العمر و سمعت همساتٍ غريبة بعدها... ماذا ؟؟؟ كأني سمعت كلمة "الميدان" !!! ركضتُ إلى صديقة أمي طالبةً منها أن تعيد على مسامعي ما قد قالت توّاً، وإذ هي تزفّ لي خبر استشهاد شابٍ بطل من حارتنا في تشييعٍ لطفلٍ في منطقة الميدان المجاورة.
أصبتُ بالذهول للحظات، تبعَتها لحظاتٌ من الصمت، وقفت في نصف الغرفة عاجزة عن أدنى ردّة فعل، كيف أهلع أو أبكي أو حتّى أحزن وأنا لا أعرف الشابّ أصلاً، إن أيّ تصرّف منّي قد يثير شكوك أمّي النائمة، وهي لا تعرف أصلاً أين قضيتُ يومي وماذا كنتُ أفعل...
سحبت نفسي شيئاً فشيئاً خارج الغرفة وخطواتٌ قليلةٌ فقط استطاعت قدماي إنجازها، وصلتُ إلى غرفتي وأجهشتُ بالبكاء...
علاء اليوم كان حولي وربّما دافع عني للحظات عند التدافع ، ربّما كان هو من رجاني أن أتراجع خوفاً على سلامتي، ربما كان جريحاً وكان من المفترض أن أسعفه مع من أسعفت، لو تسنّى لي معرفته، ليس بالضرورة مصادقته، لو تسنّى لي فقط أن أعرف وجهه لربّما كنت ركضت باتجاهه لحظة أُصيب، كنتُ قد استطعت إنقاذه وإعادته إلى حضن أمّه مساءً... طلقةٌ في الرأس ؟؟ لن أستطيع إنقاذه ؟؟ حسناً ربّما استطعتُ حمل سلامٍ لأمّه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة...
قتلني الشعور بالذنب، وقتلني أكثر تخيّلي لحال أمّه الآن، كيف قد تشعر تجاهي عندما تعرف أنّي كنت مع علاء وعُدتُ من دونه؟؟ هل ستصفعني؟ هل ستكرهني؟ هل ستعاتبني؟ أم أنها ستكتفي فقط بتقبيل جبيني والدعاء لابنها بالرحمة ولي بالسلامة ؟!!!!!!!!
هي الآن على بعد أمتار منّي، كلانا نبكي بصمتٍ وحرقة لكنّ أحدنا لا يسمع الآخر .. سامحيني أم علاء كان على ابنك أن يكون أكثر شقاوة في صغره كأن يلاحقني وأنا عائدة من المدرسة مثلاً، كنت قد عرفته حينها وعدت معه اليوم ليكمل تسكّعه في حارات اليرموك ويقصّ على الأطفال بطولاته في تشييع ابراهيم...


ما حصل بالتحديد بعد استشهاد علاء:
  • تمّ زيارة عائلة علاء من قبل الأمن السوري وإجبارهم على عزو استشهاد ابنهم إلى حادث أليم،  وإجبارهم على دفنه دون تشييع.
  • أقاربه وأصدقاؤه من اليرموك والميدان أصروا على توديعه بمراسم تشييع تليق به، كتلك التي استشهد خلالها، وحشدوا الناس لهذا التشييع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. (الدعوة هنا)
  • اجتمع المشيّعين عند الجامع المجاور لمنزل علاء عند وقت صلاة الظهر أملاً بتشييع صديقهم ليكتشفو أن علاء قد دُفن باكراً صباح الأحد تحت حراسة الشبّيحة والأمن.
  • استنكر الأصحاب الموقف وخرجوا بمظاهرةٍ عبّرت عن مساندة اللاجئين الفلسطينيين لإخوانهم السوريين ووحدتهم معاً، كما طالبت بإسقاط النظام ورحيل يشار الأسد. (المظاهرة هنا)
  • تم تفرقة المظاهرة بعد قليل من قبل أمن المخيم وشبّيحته.
  • لم يتسنّى لأهل علاء وضع خيمة عزاء لاستقبال التعازي على روح ابنهم حتّى يوم الاثنين.
لماذا ؟؟؟
  • لأنّ الموقف الرسمي للفصائل الفلسطينيّة ومنذ بداية الأحداث في سوريا هو الحياد، فاللاجئون الفلسطينيون "ضيوف" في سوريا وعليهم ألا يتدخّلوا في شؤون مضيفيهم...
  • لأنّ ما يقارب ال 600 ألف لاجئ فلسطيني في سوريا هم حجّة الممانعة الوحيدة للنظام السوري، بسبب فقدانه القدرة على الدفاع أو المطالبة أو حتّى الحديث عن الجولان المحتل...
  • ولأنّ علاء لم يستطع عزل نفسه عمّا يحصل في سوريا (كحالي وحال الكثير من الشباب الفلسطيني اللاجئ في سوريا)، ولأنّه استمع إلى صوت الإنسان في داخله...
لكلّ هذه الأسباب وكثيرٌ غيرها كان على أمّ عل أن تودّع ابنها بهذه الطريقة ... وكان لا يتعبني في الليل إلّا صمتها .....