2011/08/28

بحصة في أزقّة دمشق : بركان دمشق (٢)

دمشق ، أوتستراد المزّة ، جامع الأكرم

الخميس 21 تمّوز، ما دعي افتراضيّاً على شبكات التواصل (بركان دمشق) أو (الخميس الدمشقي) 

قُدْتُ في شارع ٢٩ أيّار ومن دون أيّ سبب إتّجهتُ عائدةً إلى شارع بغداد، ومررتُ ثانية من أمام جامع اللالاباشا لأرى رجال الأمن لا يزالون واقفين بغضب، يلتفتون ذات اليمين وذات الشمال ويتوعّدون....  وعلى بعد خطوتين باتجاه جسر الثورة أجد أحد الفتيات التي لجأت معي إلى المبنى، توقّفت ودعوتها، عرفتني وصعدت مبتسمة متجهّمة في آنٍ واحد.

قالت بسرعة بعد السّلام والإطمئنان : " بدنا نروح على الأكرم هلئ على صلاة العشا "  
كنت أهمّ بالموافقة وسؤالها عن اسمها حين رنّ هاتفها وبقيت تتحدّث طول الطريق حتى وصلنا إلى المكان المقصود ، اكتشفت إسمها الأوّل مبدئيّاً.

وصلنا إلى جامع الأكرم في نهايو أوتستراد المزّة ، لم تكنِ الصّلاة قد أُقيمت بعد، وعلى صديقتي أن تصلّي هي الأخرى وبدأت البنات الأخريات بالوفود إلى الجامع اللاتي كُنّ قد غَطّين وجوههنّ بعلم صغير في التظاهرة السبقة استطعت تمييزهنّ من ثيابهن.
توجّهت إليّ أحدهنّ بالحديث قائلة : " ما بيصير تخلّي وشّك مكشوف " ومدت يدها إليّ بعلم صغير يدويّ الصنع لم تكنْ النجمتان الخضراوتان مرسومتان باحترافيّة لكنّي حملته كأعزّ علم أحمله يوماً.
جلست في الجامع حاسرة الرأس أستمع إلى صلاة الإمام لأوّل مرّة، لم أشعر بتلك السّلفيّة التي إتُّهم بها الحراك السوري، كان الجامع يومها بقمّة المدنيّة عندما احتضنني أنا وصديقاتي.
جلسنا ننتظر النداء ونتحدّث عن مغامراتنا السابقة ويسعدني ويقلقني معاً أنّ أحد الفتيات كانت قد ميّزت وجهي من حراك سابق.
لم يتأخّر التّكبير هذه المرّة، لبسنا الأعلام وخرجنا نلبّي النداء، وبدأت قائمة الهتافات بالتردّد، حاولت التصوير رفعت كاميرتي للحظات لكننّي أخفضتها حين تذكّرت أنّ الرئيس قد صرّح في أحد لقاءاته مع الشّباب أنّه " لا يعتب على من يخرج بمظاهرة، لكنّ عتبه على من يصوّر هذا التظاهرة ويرسلها للفضائيّات المغرضة " وويل لمَن يعتب عليه سيادة الرئيس !!

كان العدد هذه المرّة أضعاف أضعاف تظاهرة شارع بغداد ومشينا نهتف فترة أطول تجاوزت الربع ساعة جُبنا فيها حارات المنطقة، كلّ البيوت كانت مغلقة، والأنوار خافتة،لا أحد على الشّرفات ووحدهم حرّاس السّفارات أُصيبوا بالذهول. تفرقنا دون أن نسبّب لأنفسنا السّباب والشّتيمة ودون أن نضطر للركض واللّهاث، فالكاميرات صوّرت كفايتها، والهتافات سُجِّلت، نزلة الأكرم تعرف تماماً الآن ماذا نريد، أنا وصديقاتي والعلم الصغير نريد ، كلّنا نريد إسقاط النظام !

تسجيل مصوّر لبعض الهتافات التي رُدّدت في التظاهرة

2011/08/27

بحصة في أزقّة دمشق : بركان دمشق (١)


دمشق شارع بغداد أمام جامع لالا باشا مقابل مدرسة اللاييك.

الخميس 21 تمّوز، ما دعي افتراضيّاً على شبكات التواصل (بركان دمشق) أو (الخميس الدمشقي)

وفقاً للاسم المختار كان من المفترض أن تخرج مظاهرات تعمّ شوارع المدينة ،  لكن معذرة أعزّائي الثوّار الافتراضيين فالتظاهر في شوارع دمشق ليس بسهولة الضغط على زر.
حاول شباب دمشق وعلى مدار اليوم تحريك الشارع في عدّة أماكن وعدّة أوقات تزامن بعضها مع أوقات صلاة المسلمين، لكن عبثاً حاولوا ، فجميع الأماكن الحيويّة مغلقة بسبب تراكم الأمن والشبّيحة وقوّات حفظ النظام التي علمت مسبقاً بالأماكن المرشحة للتظاهر والاعتصام .
ساحة المرجة، شارع الثورة، باب توما، المزّة، الميدان كلّها كانت مشلولة، فشلت دعوات صلاة الظهر، ومن بعدها العصر، وما بينهما من وقت مستقطع، كلّه باء بالفشل. 
عند صلاة المغرب كان من المفترض أن يتحرّك شارع بغداد بمظاهرة صغيرة عالية السرّية تنطلق من أمام جامع اللالا باشا المعروف بمناهضته ورفضه لحراك الشّباب السلمي،علمتُ بأمر التحرّك من أحدهم توجّهت إلى هناك علّي أرصد أحد نوبات هذا البركان. لم أكُن أعلم بالضبط توقيت صلاة المغرب فلست ضليعة بالأديان السماويّة، وصلت إلى هناك حوالي السّاعة الثامنة، كان الشارع هادئاً جداًوالحركة عاديّة وبعض المصلّين يدخلون الجامع.
تجوّلت في المكان قليلاً أرى شبّاناً يقفون هنا وفتياتٍ هناك، عدت إلى أمام الجّامع بعد عشرين دقيقة، فوجدت بعض الفتيات يجلسن على رصيف الجامع تمرّ بهم إمرأة مسنّة وتقول لهنّ (بالعامية): " شو عم تعملوا هون؟! فوتوا صلّو"  ابتسمتْ الفتيات وابتسمتُ، تلفتّتُ حولي رأيتُ الملل والترّقب في عيون الكثير، تبادلنا النظرات، تململتُ وكدتُ أفقد الأمل، استغربتُ كثيراً فالمنطقة هادئة جداً ولا وجود للأعداء غريب! هيا إذاً ! ماذا ننتظر؟!

فلبّى شابٌ ندائي ووقف بكلّ شجاعة أمام الجامع وصرخ بأعلى ما لديه من صوت فاتحاً ذراعيه إلى السماء: " الله اكبر تكبييير! الله أكبر حريّة " جزعتُ للحظة تخيّلت جحافل الأمن تهجم، لكنّ الشباب المتململ هو من هجم، مشوا خطوتين.. ها هم الآن بجانبي، فجأة صرتُ بينهم يكبّرون فأكبّر وأنظر بين الوجوه أتفحصّهم واحداً واحداً، كان نصف الذين حولي شباباً والنصف الآخر من البنات وكانت بعض الفتيات قد ارتدين علماً صغيراً يغطّين وجوههن ، كنّا نمشي ونتكاثر بالتكّبير، لم يكن يعنِ لي التكبير شيئاً في يوم من الأيّام لكننّي الآن لا أبالي، كل همّي أن أهتف، ينتهي التكبير ويبدأ الهتاف هتافاً وراء الآخر نصرة للمدن الجريحة وتعبيراً عن المؤازرة ، وفجأة ينطلق الهتاف الذي لطالما انتظرته " الشعب يريد إسقاط النظام" تغمرني الفرحة ويعلو صوتي، أربع نساء اجتمعن على شرفةٍ ينظرن إلينا ويصفّقون لنا يدعون لنا بالنّصر والسّلامة وبعض الأشخاص ينتظرون سندويشة الشاورما بذهول ،وبعد لحظات نسمع صوتا ورائنا (بالعاميّة) : " لك اخراااس يا ابن الكلب"  عرفنا جميعاً مصدر الصوت دون أن نلتفت، وانطلقنا نركض هنا وهناك، دخلتُ إلى أحد المباني فوجدتُ الباب الداخلي مغلق، كنت أكيدةً أنّ أحداً خلفي وكانت قمة الشجاعة حينها أن ألتفتْ...
التفتتُ فوجدت فتاتين تلهثان قلتُ لهما (بالعاميّة) : " الباب مسكّر امشو عالبناية التانية "، ركضنا خلسة إلى المدخل المجاور وصعدنا الدرج حتى آخر طابق، وقفنا نلهث مع شاب آخر فيُفتح الباب ويقدّم لنا شابٌ صغيرٌ الماء، وأمّه وراءه بلباس الصلاة " لحقوكن ؟؟ اشتالئو انكون فتتوا لهون ؟؟" توجّهت بحديثها إلينا،  أجابتها الفتاة : " لا خالة لا تخافي "
تبتسم وتعطينا المزيد من الماء، بعد لحظات ننزل فرادى دون أن نتبادل الأسماء حتّى...

خارجاً أرى سيّارة الأمن في أوّل الشارع فارغة لا أحد فيها من أمن او معتقلين، أبحث عن الدوريّة أجدها على بعد خطوتين تتحدث الى أحدهم فيدلّهم على الزقاق الذي هربنا إليه  ويمشي معهم إلى المكان.

يعود الشارع هادئاً والحركة عاديّة يمشي عناصر الدورية كالبلهاء ينظرون يميناً وشمالاً ، وأنا خلفهم أبتسم، مشيتُ معهم حتى آخر الشارع إطمأنّيت على من كان معي لم يُعتقل أحد ،  تبادلنا الابتسامات و التفت عنصر أمن إليّ منحتُه ابتسامةً هو الآخر وتابعتُ طريقي نحو السيارة....

بعد عدّة أيام وأنا أقلّب صفحات الانترنت بحثاً عن أخبار الخميس الدمشقي وجدت تسجيلاً مصوّراً لتظاهرتنا منذ لحظة التكبير وحتى لحظة الهروب، بالنسبة للكاميرا كان مجمل وقت التظاهر ثلاث دقائق لكن بالنسبة لي ولشباب اللالاباشا وبائع الشاورما كان الوقت أكثر بكثير فقبل التكبير وبعد الهروب لحظات لا تستطيع عدّها الكاميرات ....




2011/08/23

بحصة في أزقّة دمشق : هنا الغوّاص

دمشق، الميدان، حيّ الغوّاص
الجمعة 15 تمّوز (جمعة أسرى الحريّة)

كان من الواضح تماماً أنّني وصديقتي غريبَتين عن هذا الحيّ، فتاتين في مقتبل العمر حاسرتيّ الرأس تمشيان دون مرافقة رجلٍ في ظهيرة جمعةٍ مشتعلة..
كانت النّظرات تلفّنا من جميع الجّهات، الأمن والشبيحة من جهة ، وأهالي الحي (بل لِنَقُل رجالَه) من جهة أخرى، كلاهما يعرف ما سبب وجودنا...
يخاطبنا رجلٌ على الرصيف: " أنتو صحافة " ، نتابع مشينا بصمتٍ وحذر، ننظرُ من حولنا نتقدّم لحظةً ونتراجع أخرى
يعلّق شابٌ ساخرا: " بدي روح عالمظاهرة يابي " ولا يضحك أحدٌ من حوله...

نسمع هتافاً خجولاً ، نتقدّم باتّجاه الصّوت أكثر فأكثر، نَصِلُ فنجد ثلاث نساءٍ تَقِفن على حافّة الرّصيف، وفي الشارع بعض الشبّان بعدد لا يتجاوز المئة يهتفون وينظرون بغضبٍ الى الشارع المقابل.
أقترب بحذر، تشدّني صديقتي من جهة، والصوت من الجّهة الأخرى ، وتناولني إمرأةٌ منديلاً مبللاً بالخلّ.
ألتفت حيث يوجّه الشبّان الغاضبون عيونهم فأرى رجال الشرطة تلاحق بعض الشباب، تعتقلهم وتزجّهم بوحشية الى داخل السيارة بعد أن ينالوا ما تيسّر من هراوات !
أقترب أكثر فأكثر، صرت بينهم، يهتفون : أبو حافظ .... يلعن روحك.... ، والدخّان يعبق في المكان، لم يعجبني الهتاف لم أردده صراحة..
أنتظر الهتاف الآخر فيهرب أحد الشباب من قبضة الأمن على الطرف المقابل، وتلحقه مجموعة، يصل إلينا ويعلو الهتاف، ألتفت فتتلاقى عيني بعينٍ غريبة ! وهراوة تكاد تنزل على رأسي !!
أصرخ: " اهربوااااااا !!!!!!!!!! " ويركض الجميع. أركض وأركض وأركض حتّى يوقفني رجلٌ ويناولني زجاجة ماءٍ مبتسماً، ألتفت فأجد صديقتي لا تزال خلفي، سنحت لها فرصة الهروب لأحد المباني لكنها آثرت البقاء معي. ابتسمتُ وابتسمت هي وقررنا الإكتفاء والعودة إلى المنزل.

ونحن في طريق العودة  لحقنا شابّ صغير لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره
كان يقول بسرعةٍ وبصوتٍ خفيض : " أنتو ضايعين؟؟ اشتلئوا عليكون الشبّيحة، لا تطلعوا من هدا الشارع،  الحقوني"
لا أعلم لمَ وثقت به، ربّما شفع له شعره الأشقر وعينيه الزيتونيّتين..
قال لي يومها: " السنة الماضية إجا لعنّا الرئيس واستئبلناه وطعميناه من عنّا، هالسنة إزا إجا ما رح نستئبلو، قتل ٣ ميادنة، ما رح نستئبلو"
أوصلَنا إلى مكانٍ آمن، كانت الساعة قد قاربت الثالثة، تركناه وبقي ينتظر مجموعةً من حيّ آخر من المفترض أن تنضمّ للمظاهرة الكبيرة... اكتشفت أنذ ما شهدته هو مجرّد مناوشات والتظاهرة الكبيرة بعد قليل !

لم أهتِف ذلك النهار، كلّ حظّي كان احمرارٌ في العين من الدّخان، زجاجةٌ من الماء والكثير من اللّهاث... وفي المساء يؤنّبني صديقي الثّائر إذ كان قد نهاني عن الخروج قبلاً،  يضحك قليلاً على سذاجتي ويرفض أن أخرج الجمعة المقبلة، أعبَس أنا فيضحك هو أكثر ويعدني بأنّه سيأخذني لمظاهرةٍ حقيقيّةٍ كتلك التي كان يحضّر لها الشّاب الصّغير.

2011/08/21

بحصة في أزقّةِ دمشق : سلسلة جديدة تحمل بعض القصص والكثير من الحب لمدينة لن تموت يوماً ... تابعونا ...

بقيتُ وقتاً طويلاً في البداية أتابع أخبارَ الحِراك السلميّ السوريّ بشغف، أشاهدُ كلّ يومٍ المقاطع المصوّرة للمظاهرات ،وأرصدُ خارطة التحرّكات... كان تحرّك دمشقَ خجولاً اقتصر على الشّباب الأشدّاء وأطراف المدينة...
 أحدّق في وجوه الفيديو المكفهرّة ... لا وجه يُشبهني ... وأقتنع أكثرَ باستحالةِ كوني بينهم يوماً.
أخرج من الغرفة وأعود إلى حياتي... أدوّر رأسي في المدينة أرى وجوه دمشق هي ذاتها نفس الوجوه التي أراها دائماً في حارات دمشق القديمة ومقاهيها الحديثة، أصادفها في مهرجان الجاز وحفلات الرّوك، ودار الأوبّرا والمسارح أحياناً ونلتقي جميعاً في مدرّجات الجامعة.
أتذكّر: هؤلاء أيضاً لا يشبهون أولئك المتظاهرين !!!!
صمتٌ غريبٌ يلّف المدينة عدا الصدى البعيد للأطرافِ المنتفضة...

في النصف الثاني من أيّار، أتعبني الصمت حملت أحلامي ووثيقة لجوئي وغادرت دمشق في أوّل خطوات البحث عن بديل وتوجهت حيث تقيم عائلتي خارج سورية .
من هناك تابعت أخبار سورية لحظة بلحظة، الانتفاضة الشعبيّة تزداد وتزداد وآلة البطش تمعن في القمع والإذلال... وفي زوايا مواقع التواصل الاجتماعي لمحت دمشقَ تغلي شيئاً فشيئاً، تستهجن وتستنكر وأصدقائي يكتبون ويكتبون .....
شدّني الحنين إلى دمشق فلم يكن إلّا شهرٌ واحدٌ لأعود وأجد دمشقاً أخرى كسرت شوارعها الصمت، وغادر أصدقائي دار الأوبّرا والمسارح.

تكاثر المحتجّون ولم يعد الصمت مشروعاً، فعبّروا عن غضبهم بطرقٍ عدّة:
خرجت الأحياء الشعبيّة القديمة عن بِكرة أبيها (مثل ركن الدّين وبرزة والميدان) خرجت بمظاهراتٍ قويّة وأعدادٍ كبيرة وتنظيمٍ لابأس به ، يتطوّر مع تكرارِ التّظاهر جمعةً بعد أخرى.
وفي شوارع المدينة الأخرى انتشر الشباب المستنكر بمظاهراتٍ صغيرة دُعيت بال(طيّارة) هدفها إعلاميّ بحت وترغب بإرهاق الأمن وجسّ نبض الشارع المحيط وموقفه تجاه الحراك والتظاهر.
كما ساهم بعض الشباب بتحرّكاتٍ صامتة هدفها إثبات الوجود وفرصةٌ لتعارف الشباب المنتفض.  
وبالتأكيد كان للتحرّك الالكترونيّ وصفحات مواقع التّواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر وغيرها الدّور الكبير في تنظيم ورصد هذا الحراك.
وكانت تلك بداية التّغيير الفعليّ في دمشق...

بحصة حاولت كغيرها رصدِ هذا التّغيير، وستَنقُل لكم عبرَ سلسلة المقالات القادمة صورةَ الحراك من زاويتها.
سلسلة " بحصة في أزقّة دمشق " هي سردٌ لبعض ما حصل معي في شوارع دمشق، في كلّ زاويةٍ قصّة و كلُّ قصةٍ  تزيد من مكانة دمشق في قلبي أكثر فأكثر... قد تجدون بعض المقالات طويلةً بعض الشّيء لكن اعذروني فلكل تفصيل صغير أهميّة ....

ستضاف الروابط لحلقات السلسلة في أسفل هذه الصفحة.

2011/08/15

علينا ان نكون انبياء لنسامحكم ...

أرى المشهد وأحاول تنبؤ نفسيّة القنّاص في اللحظة ما قبل ضغطه الزّناد... هل استفزّته ابتسامتها الطفوليّة، وزعجه تراقصها البريء؟؟
أم كان يحاول أن يمحي ما شهدته مقلتاها الصغيرتان من دمارٍ في السّاعات الأخيرة ؟؟ عجيب هو هذ القنّاص !!!

يراسلني صديقي الثائر، يقول لي (أيضاً بعد أن شاهد نفس المقطع) : " أنا لست إنساناً بعد الآن .. أنا لست مثقّفاً لست سلميّاً... أنا الوجه الآخر للشّبيح ! سألاحق الطاغية واقتصّ منه." . ربّما سئم حلّ المعادلة الصّعبة، تلك التي تضع السلميّة على كفّة ميزان ، والدبّابة على الكفّة الأخرى ... كما قد ملّ انتظار إله رحيم مجير لطالما آمن به ...

يبكي صديقي الثائر: " اريد علا حيّة الآن "  ياللسخف !!! علا ماتت الآن يا صديقي، انها جثّة هامدة، والدبّابات لا تزال تصرصر على قارعة الطريق...

 ألا يحقّ لي الآن أن أتخيّل قوّات الناتو تقصف مقراتهم؟؟ أيُسمح لي أن أستنجد بالأطلسي والتركي ؟؟
يقول صديق آخر:  بلا هبل !


أبكي وأحاول جاهدة محي هذه التخيّلات المغرضة، فلا أنا، ولا صديقي الثائر،  ولا أيّ صديق آخر يأذن لي بهكذا تخيّلات، فشعبي قدّم الكثير وسيقدّم الأكثر ، ستبقى الدبّابات مكانها والإله أيضاً ... ستبقى السلميّة شعارنا الوحيد أمامكم و على صديقي الثّائر أن يكون مسيحاً ليسامحكم...