2011/10/20

وداعاً علاء ... شهيد الإنسانيّة

عدت إلى المنزل مساء السبت وكان قد زال الشعور بالاضطراب وبدأ المظهر الدمويّ بالتلاشي لأتذكّر اللحظات الجميلة التي مرّت خلال التشييع، تذكّرت لحظة فشلتُ في تقدير عدد المشيّعين ، تذكّرتُ لحظة حملتُ النعش وودّعت الشهيد، ولحظة رفرفت بالعلم السوري وكأنّه علم بلادي الأولى، أجل كنتُ فرحةً بعض الشيء رغم الثلاثة شهداء ودماء الجرحى على ساعدي.
وصلتُ إلى ناصية الشارع حيث أسكن فوجدتُ عزاءً خجولاً ، كان بادياً على وجوه الناس أن الميّت قد مات حديثاً،فالنعوات لم تُلصق على الجدران بعد، ولم يحتشد غير بضع رجال أمام منزل، حسبته شيخاً هرماً من شيوخ حارتنا، أخفضت مذياع السيّارة وتوجّهت إلى المنزل، ماهي نصف ساعة حتى أتت صديقة لأمي لتخبرها أنّ من مات في حارتنا هو شاب في مقتبل العمر و سمعت همساتٍ غريبة بعدها... ماذا ؟؟؟ كأني سمعت كلمة "الميدان" !!! ركضتُ إلى صديقة أمي طالبةً منها أن تعيد على مسامعي ما قد قالت توّاً، وإذ هي تزفّ لي خبر استشهاد شابٍ بطل من حارتنا في تشييعٍ لطفلٍ في منطقة الميدان المجاورة.
أصبتُ بالذهول للحظات، تبعَتها لحظاتٌ من الصمت، وقفت في نصف الغرفة عاجزة عن أدنى ردّة فعل، كيف أهلع أو أبكي أو حتّى أحزن وأنا لا أعرف الشابّ أصلاً، إن أيّ تصرّف منّي قد يثير شكوك أمّي النائمة، وهي لا تعرف أصلاً أين قضيتُ يومي وماذا كنتُ أفعل...
سحبت نفسي شيئاً فشيئاً خارج الغرفة وخطواتٌ قليلةٌ فقط استطاعت قدماي إنجازها، وصلتُ إلى غرفتي وأجهشتُ بالبكاء...
علاء اليوم كان حولي وربّما دافع عني للحظات عند التدافع ، ربّما كان هو من رجاني أن أتراجع خوفاً على سلامتي، ربما كان جريحاً وكان من المفترض أن أسعفه مع من أسعفت، لو تسنّى لي معرفته، ليس بالضرورة مصادقته، لو تسنّى لي فقط أن أعرف وجهه لربّما كنت ركضت باتجاهه لحظة أُصيب، كنتُ قد استطعت إنقاذه وإعادته إلى حضن أمّه مساءً... طلقةٌ في الرأس ؟؟ لن أستطيع إنقاذه ؟؟ حسناً ربّما استطعتُ حمل سلامٍ لأمّه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة...
قتلني الشعور بالذنب، وقتلني أكثر تخيّلي لحال أمّه الآن، كيف قد تشعر تجاهي عندما تعرف أنّي كنت مع علاء وعُدتُ من دونه؟؟ هل ستصفعني؟ هل ستكرهني؟ هل ستعاتبني؟ أم أنها ستكتفي فقط بتقبيل جبيني والدعاء لابنها بالرحمة ولي بالسلامة ؟!!!!!!!!
هي الآن على بعد أمتار منّي، كلانا نبكي بصمتٍ وحرقة لكنّ أحدنا لا يسمع الآخر .. سامحيني أم علاء كان على ابنك أن يكون أكثر شقاوة في صغره كأن يلاحقني وأنا عائدة من المدرسة مثلاً، كنت قد عرفته حينها وعدت معه اليوم ليكمل تسكّعه في حارات اليرموك ويقصّ على الأطفال بطولاته في تشييع ابراهيم...


ما حصل بالتحديد بعد استشهاد علاء:
  • تمّ زيارة عائلة علاء من قبل الأمن السوري وإجبارهم على عزو استشهاد ابنهم إلى حادث أليم،  وإجبارهم على دفنه دون تشييع.
  • أقاربه وأصدقاؤه من اليرموك والميدان أصروا على توديعه بمراسم تشييع تليق به، كتلك التي استشهد خلالها، وحشدوا الناس لهذا التشييع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. (الدعوة هنا)
  • اجتمع المشيّعين عند الجامع المجاور لمنزل علاء عند وقت صلاة الظهر أملاً بتشييع صديقهم ليكتشفو أن علاء قد دُفن باكراً صباح الأحد تحت حراسة الشبّيحة والأمن.
  • استنكر الأصحاب الموقف وخرجوا بمظاهرةٍ عبّرت عن مساندة اللاجئين الفلسطينيين لإخوانهم السوريين ووحدتهم معاً، كما طالبت بإسقاط النظام ورحيل يشار الأسد. (المظاهرة هنا)
  • تم تفرقة المظاهرة بعد قليل من قبل أمن المخيم وشبّيحته.
  • لم يتسنّى لأهل علاء وضع خيمة عزاء لاستقبال التعازي على روح ابنهم حتّى يوم الاثنين.
لماذا ؟؟؟
  • لأنّ الموقف الرسمي للفصائل الفلسطينيّة ومنذ بداية الأحداث في سوريا هو الحياد، فاللاجئون الفلسطينيون "ضيوف" في سوريا وعليهم ألا يتدخّلوا في شؤون مضيفيهم...
  • لأنّ ما يقارب ال 600 ألف لاجئ فلسطيني في سوريا هم حجّة الممانعة الوحيدة للنظام السوري، بسبب فقدانه القدرة على الدفاع أو المطالبة أو حتّى الحديث عن الجولان المحتل...
  • ولأنّ علاء لم يستطع عزل نفسه عمّا يحصل في سوريا (كحالي وحال الكثير من الشباب الفلسطيني اللاجئ في سوريا)، ولأنّه استمع إلى صوت الإنسان في داخله...
لكلّ هذه الأسباب وكثيرٌ غيرها كان على أمّ عل أن تودّع ابنها بهذه الطريقة ... وكان لا يتعبني في الليل إلّا صمتها .....



هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

كلامتك ابكت عيوني
هذا ما كنت اشعر به ولا استطيع التعبير عنه
نفس الرواية معي ابن شارعي الذي لا اعرفه
لم يكن من مشاغبين الشارع لاتعرف عليه و عدت و الى منزلي باستغراب لكبر المظاهرة
نمت و استيقظت على خبر استشهاد شاب كان معي
ربما اسعفته مع الجرحى و ربما هو الشاب الذي لم نستطع الوصول اليه و ربما و ربما و ربما
ااااااااه كم اود الحديث مع ام جارنا