2011/09/18

أيلول ... سجني

في أيلول
يتفقّد السجان الزنزانة
يزعجه شابٌ وقف ليريح جراح صديقه العرَضي
وتضايقه العيون الساخرة
يشيح بنظره بعيداً
توصله هتافات الحرية إلى الزنزانة الملكيّة
يعدّ المفاتيح والأيام
 وينام ...
في أيلول
يناديني صديقي الثائر
أشاركه كسرة الخبز والقصص
وبعض الهمسات ..
يسألني عن المدينة
أتجاهل السؤال
أعدّ أحجار الزنزانة
أوثّق الجراح
وأغنّي للحب حتى ينام الأصدقاء ....
في أيلول
ألملم حلمي وأعود إلى المدينة
تؤلمني يدان دون سلاسل
موحشٌ هو الصمت
قاتلٌ هو الشعور
" وحيدةٌ أنا"
تصرخ بي المدينة
أشعر أنّ أحداً لم يلدني
أو قد ولدني ونسي فروض الولادة ...
في أيلول
يلفّني صمت المدينة
حتى يعدّ السجان مفاتيحه
أتسلّل ثانية
أوثّق جراح الليلة الرابعة عشر
وجراحي
وجراح المدينة

 إلى الأحبّة عامر أحمد ، جمال العمر ، عاصم حمشو ، عمر الأسعد ، رودي عثمان ، عمرو كوكش ، عامر مطر  وجميع المعتقلين في أقبية الأمن ، أيلول يعذبنا و دمشق تفتقدكم ...

2011/09/07

بحصة في أزقّة دمشق: سورية بخير !!!!!

تركنا حارات الدقّاق الحنونة متّجهين إلى الشارع الرئيسي، كنّا أنا وصديقي الثائر وأصدقاءه الآخرون نحاول الوصول إلى سياراتنا عندما وصل عَلِم أحددنا أن الأمن قد أغلق مخارج الميدان وهو الآن يمشّط المنطقة  بحثاً عن الغرباء عن الحيّ ويقوم باعتقالهم فكان من المستحيل خروجنا سالمين.
اصطحبنا أحد الشباب إلى منزله في حيّ القاعة المجاور لحيّ الميدان عبر الحارات القديمة المتّصلة ببعضها، ومشينا مجموعتين أملاً في عدم لفت الأنظار لكن ثيابنا الغريبة عن ثقافة الحيّ كانت عاجزة عن تبرئتنا.
كانت الحارات أشبه بساحاتِ حرب زجاج خشب حجارة كلّه مكسّر، وفي كلّ زاوية شخص يروي ما حدث معه الليلة بصوت منخفض، وفي زاوية أخرى أشخاص صامتون عرفنا بعدها أنّهم عيون تابعة للأمن من نفس سكان الحيّ. 
وصلنا إلى منزل الشاب استرحنا وتبادلنا الأسماء وحسابات الفيسبوك وتحدثنا عن مغامراتنا السابقة وأحلامنا المستقبليّة. اكتسبت يومها أصدقاء جدد، لكلّ منهم قصّة قد أقصّها عليكم يوماً أو لا " لأسباب أمنيّة ".
تم الإفراج عن الحي بعد منتصف الليل، خرجنا أنا وصديقي الثائر لنجد الشارع المقابل تماماً للشارع المشتعل ويدعى بالجزماتيّة مكتظّاً بالباعة والجائعين والكلّ يعيش رواية التلفزيون الرسمي السوري يأكلون ويتحرّكون ويضحكون وكأنّ " سورية بخير" ، وكأنّه لم يكن على بعد أقل من كيلومتر جرحى ومعتقلين ورصاص وغاز، وحدها حارات الدقّاق الحنونة نامت جريحة.
لا أُخفي عليكم يومها مشيت أنا وصديقي الثائر في الجزماتيّة وضحكنا وعدنا إلى المنزل بخير ، أجل بخير..

تمّت .

" يُقصد ب تمّت هنا قصّة الميدان فقط ، لا يزال في السلسة أزقّة أخرى "

2011/09/06

بحصة في أزقّة دمشق: خلف الباب الدمشقيّ العتيق

بينما أنا مشغولةٌ بالخوف والبحث عن صديقي الثائر من مخبأي في شرفة الجامع (مصلي النساء) يتراجع الأمن عن اقتحام الجامع بعد كرّ وفرّ وقنابل، ربّما ردعهم تكبير الإمام أو سواعد الشابّ الميدانيّ لا أعلم.
استطعنا وأخيراً الخروج من الجامع بعد ابتعاد الأمن وقوّات حفظ النظام، كنت أعتقد أنّه لازال بوسعنا التجمّع والتظاهر ثانية، لكنّ ذلك كان حلماً تهاوى أمام كتيبة من قوّات حفظ النظام تهجم على الشارع ثانيةً ليركضَ الشاب الميداني وصديقي الثائر يحاولون إدخالنا (الفتيات) إلى الحارات ثانية.
عندها لم يكن هناك وقت لأن نصل إلى الجامع ثانية، لكنّ الميدان لم تخلُ من الملاجئ، فما إن دخلنا الحارات حتى فُتحت أبواب جميع المنازل. كانت أفضليّة دخول المنازل للفتيات فالبيوت ملأى بنساء الحيّ، والرجال خارجاً يدافعون عن  الحارات ويوزّعون المتظاهرين في البيوت والمحلاّت والملاجئ.

دخلتُ أحد هذه الأبواب اطمأنّ صديقي عليّ وخرج، ودّعته وكأنّها المرّة الأخيرة التي أراه فيها. وبين دهشة طفلةٍ صغيرةٍ وأصوات الرصاص تناولني سيّدةٌ دمشقيّةٌ الماء وأنا أسعل بشدّة. أجلس في السّاحة الهوائيّة للمنزل أحوّل نظري بين الأطراف الفقيرة المتعبة، تخرج من بابٍ خشبيٍّ مكسور طفلةٌ لم تتجاوز العام من عمرها تحمل بيدها مسدّساً بلاستيكيّاً وتلفظ بعضاً من الأحرف القليلة التي تعلّمتها " طاخ طاخ " .  تضحك الأم وتحتضن طفلتها وتقول بحرقة: " شايفة ؟؟ كل يوم نحنا على هالحالة ، مو بس الجمعة، بيجو بيهجموا علينا ، رصاص وغاز وتخويف ، هدا غير الشبّيحة اللي طول النهار عم يتمشّوا عنّا بالشارع.  وين بدي أهرب ؟؟ بيت أهلي وبيت حماي كمان بالميدان، كلّو نفس الشي وين ما تروحي شبّيحة ورصاص" . أهزّ رأسي ونسكت.

يُطرق الباب بشدّة فيدخل رجل البيت ويطلب من نساءه الدخول إلى الغرفة المغلقة، يدخل صديقي الثائر مغطّى بالعرق، يقاطع فرحتي بلقائه ليخبرني أنّ الفتاتين اللتين قبّلتهما - واللتين لا أزال أجهل اسميهما -  مفقودتين ولا أحد يعلم إن دخلتا إلى أحد المنازل أو لا، ويطلب منّي محاولة إيجادهما بأي طريقة ويخرج قبل أن أخبره أنّي لا أحمل أرقامهما !
يتركني حائرةً خلف الباب الدمشقيّ العتيق أقلّب نظري من حولي وأرى السيّدة الدمشقيّة يائسة متعبة وأكتشف لماذا يريد الميدان إسقاط النظام بهذه الشدّة.

هنا خلف الباب الدمشقيّ العتيق لا يعرف الجميع برهان غليون ووحدهم الرجال يخرجون للحريّة.
ينادون بالحريّة لشوارعهم من منظومة الأمن والشّبيحة وقوّات حفظ النظام.
ينادون بالحريّة لعائلاتهم من صوت الرصاص وخوف الأمّهات.
ينادون بالحريّة لأنفسهم من الفقر والعجز والتعب والذلّ على مرّ سنين طوال.

هنا خلف الباب الدمشقيّ العتيق لا يعرف الجميع معنى الديمقراطية، لكنّهم يعرفون معنى النخوة والعزة والكرامة والحميّة، يرفضون بشدّة أن يهان أخاً لهم ولو كان في أبعد نقطةٍ عن الباب الدمشقيّ العتيق.

أعلم بعد قليل وبطريقة ما أنّ الفتاتين بخير في أحد المنازل. يهدأ صوت الرصاص ويدخل ثانيةً صديقي الثائر ليصحبني خارجاً مع أصدقائه.
هناك خارج الباب الدمشقيّ العتيق نمشي إلى الساحة الصغيرة، يودّعنا الشابّ الميدانيّ ويبقى هو لينظّف عناء الليلة وزجاج السيارات المتناثر.

يتبع ....

2011/09/05

بحصة في أزقّة دمشق: الطوفان !

مشينا نجوب حارات حيّ الدقّاق الدمشقيّ، تزعجنا الجدران القديمة فنخرج منتفضين عنها إلى شارع أبو حبل حيث نلتقي بجموع جامع آخر أو جامعين، تبرق عَينا صديقي الثائر، ها هو المزيد الذي وعدني به ينضمّ إلينا أو ننضمّ إليه، مزيدٌ من القلوب، مزيدٌ من الأصوات والهتافات واللافتات والأقدام نلتحم مع آلاف المتظاهرين ونمشي في شوارع الميدان كالطوفان، دون أن يقاطع أحد مسيرنا أو يعترض شبّيح طريقنا، يعلو الهتاف وكأنّ الميدان أصبح خارج سورية خارج حدود منظومة الأمن وعالم التشبيح يومها تعلّمت تعاريف جديدة للاستقلال.

أدوّر بين الوجوه  فأرى علماً صغيراً يشبه علمي أركض باتجاهه، وإذ بجمع فتيات يمشين إلى جانب المظاهرة، أقبّل فتاتين لا أعرف اسميهما، كلّ ما أعرفه أنّهم هم من أعطوني العلم وأمشي إلى جانبهم مع صديقي الثائر وأصدقائه من شباب وفتيات، نمشي نمارس الاستقلال والحريّة
منظر الشبيّحة وقوى الأمن كان قد بدأ يتلاشى من مخيّلتي إلى أن ناولني أحدهم منديلاً مبللاً بالخل وصاح بي شابٌ ميداني الشكل والعقل والحَميّة طالباً منّي التوجّه إلى طرف المظاهرة. أستنكر تصرّفه الأنانيّ ! أريد أن أكون في الوسط أصوّر وأهتف وأقود الهتاف أيضاً !!!!
كنت أعتقد أنّ صديقي هو الشرقيّ الوحيد المتبقّي على الكرة الأرضية لأكتشف أنّ الميدان تعجّ بأمثاله. لا عجب أنّه أحضرني إلى هنا!!
يضحك وكأنّه يقرأ أفكاري يمسك بيدي ويقول: " لا تخافي خليكي معنا أنت ورفئاتك "
نصل إلى أوّل الشارع بعد ما يقارب ساعة من المشي والهتاف المستمرّين  بقيادة شباب الحي يوجّهون سيرنا ويدخلونا في الطرق الآمنة . يطلب شابّ منّا الجلوس على الأرض وما إن جلست الصفوف الخمس الأماميّة حتّى حلّ ضجيج غريب مخيف مكان الهتاف، البعض يطالبنا بالبقاء جالسين بينما يصرخ الشاب الميداني آمراً بالهروب نحو الحارات الجانبيّة.
من بعيد يُقبل طوفان من نوعٍ أخر ... تنظر أمامَك وإذ بقوّات حفظ النظام والأمن وما يرافقهما يركضون باتّجاهك، ودون أن تعي شيئاً تبدأ بالركض، تسقط الناس أمامك من التدافع فتحملهم أو يحملوك وتتابع الركض، تخونك رئتاك  ترميهم بعيداً وتتابع الركض.
وعندما تصبح قنبلة الغاز بين قدميك تتذكّر منديل الخل وتستوعب أنّ عليك الانعطاف الآن فوراً  إلى الحارة الصغيرة.
 بينما أركض أنا وأصدقائي أصادف مشفى أفكّر لأقلّ من جزء من الثانية أن ألجأ هناك لكن تصفعني حقيقة أنّه في بلد الحزب الواحد تتحوّل أكثر المؤسسات مدنيّة إلى ثكنات أمنيّة ، فأطرد الفكرة فوراً من رأسي وأتابع الركض خلف صديقي الثائر وأصدقائه والفتيات كلنا نتبع الشاب الميداني حتى نصل إلى الجامع الذي انطلقنا منه ونلجأ هناك فيدعونا الإمام على المكبرات بالهدوء والسكينة وتقودنا فتاة إلى مصلى السيدات وهي تبحث لنا عن أغطية لرؤوسنا احتراما لحرمة الجامع...
يعود الإمام للصلاة بعد أن وصل الكثير من المتظاهرين للجامع فتقاطعه قنبلة غاز تُرمى في فسحة المسجد الدمشقيّ القديم، ويرتفع التكبير والدعاء مقابل صوت طرقٍ عنيف لأبواب الجامع ونوافذه فيستسلم الجميع لفكرة أنّ الأمن سينجح في اقتحام الجامع ولحظات هي قبل أن نُقتاد جميعاً والإمام معنا إلى المعتقل.

2011/09/04

بحصة في أزقّة دمشق: أنا الآن في الدقّاق !

دمشق ، الميدان ، جامع الدقاق 2 رمضان

كان قد مرّ أسبوعين على وعد صديقي الثائر باصطحابي لإحدى التظاهرات الكبيرة " الاحترافيّة " وكنت قد بدأت أفقد الأمل بإمكانيّة خروجي، لكنّي كنت أواظب على ارتداء حذائي الرياضيّ واضعةً العلم الصغير في حقيبتي أقلّب صفحات الفيسبوك كل ساعة عللي أجد دعوة لتجمّع أو اعتصام . حتّى أقبل شهر رمضان، لم يكن يعنِ رمضان لي شيئاً في يوم من الأيام بل ولطالما كان ضيفاً ثقيل الظلّ عليّ لكنني سعدت لمجيئه هذه المرّة، واستبشرت خيراً إذ ازدادت فرصتي بالمشاركة في تظاهرة كبيرة في أحد الأحياء المنتفضة إذ كان رمضان الشهر الذي اعتبره الكثيرون شهر الخلاص والفصل وتوعّدوا النظام بمظاهرات يومية بعد كلّ صلاة تراويح حتى إسقاطه.
ويمرّ اليوم الأوّل وأنا أنتظر موعد الصلاة وأترقّب اتصالاً من صديقي الذي لم يتّصل ، أخرج في اليوم الثاني لا أحمل شيئاً إلا محفظتي والعلم الصغير لا خطّة في ذهني أو ترتيب، هو فقط شعورٌ بأنّي يجب أن أحمل العلم الصغير " للاحتياط ".
 وقبل دقائق من موعد الإفطار الرمضانيّ يرقص العلم الصغير في جيبي على رنين الجوّال، وأسمع صوت صديقي الثائر على الطرف الآخر، أردّ بجفاءٍ ويؤلمني كرهي له حينها، يداعبني مصالحاً : " خلص أنا عازمك اليوم بعد الإفطار " . عرفت فوراً أين يقصد وكان اللقاء في التاسعة، توجّهنا إلى المكان وصديقي يتحدّث طول الطريق عن روعة التظاهر في ذلك المكان  وكثرة العدد الذي تضاعف مع إقبال رمضان وجمال الهتافات وتعدّدها، ويعدني أن نأتي إلى هنا طوال أيام الشهر بعد صلاة التراويح من كلّ يوم.
نصل إلى المكان وإذا بالأمن وقوّات حفظ النظام وما يرافقهم من شرطة وشبّيحة يطوّقون المنطقة برمّتها كان أكبر تجمّع أراه لهم يوماً، وأنظر إلى صديقي الثائر : " هذا انتحار !!! "  يبتسم ويبقى صامتاً، ننزل من السيّارة ونمشي في الحيّ، يبحث صديقي عن الجامع المقصود وأنا لا أزال أصارع الخوف والقلق، كلّ الجوامع مكتظّة حتى رصيف أصغر الجوامع في الحي لم يخل من  المصلّين ، تقترب الساعة من العاشرة إلاّ ربع ونحن لا نزال تائهون بين الجوامع فيدفعني صديقي لسؤال أحد السيّدات في الشارع: " خالة وين جامع الدّقاق ؟؟ " تنظر إلى أشكالنا الغريبة وتشير بقلق إلى الأمام ....
نصل وقد خرج الجميع من الجامع،  لكن الصوت كان يهزّ كل الأرجاء و خبطة أقدام غريبة منتظمة تعلو لدقائق وتختفي ، كان ذلك نداء المصلّين لأهل الحي، و بعد لهل الللبعد حارتين وصلنا إليهم كان عددهم كبيراً جدّاً بالنسبة لتجاربي السابقة لكنه لا يزال صغيراً أمام وصف صديقي، يمسك بيدي يشدّني بينهم أرتدي العلم الصغير وأمشي... أنا الآن في الدقّاق !!
هناك في الدقّاق تنسى نفسك وتنسى من حولك تصبح أنت والمتظاهرين والهتاف كتلةً واحدة، تحتضنك الحارات الدمشقيّة ويحمل صوتك هواء دمشق ويوصله إلى أبعد مما أخذته يوماً.
هناك في الدقاّق تنظر إلى من حولك لا تعرف أحداً لكنّك تعرف أعماق الجميع، تنظر إلى من حولك فيحيطونك أملاً بحمايتك فتنسى المسافات الشخصية و وساوس " الهايجين " وتلتحم الأجساد بحثاً عن القلوب.
هناك في الدقّاق ينظر إليّ صديقي الثائر، يبتسم للثائرالصغير في داخلي ويعدني بالمزيد بعد لحظات
يتبع....