2011/08/23

بحصة في أزقّة دمشق : هنا الغوّاص

دمشق، الميدان، حيّ الغوّاص
الجمعة 15 تمّوز (جمعة أسرى الحريّة)

كان من الواضح تماماً أنّني وصديقتي غريبَتين عن هذا الحيّ، فتاتين في مقتبل العمر حاسرتيّ الرأس تمشيان دون مرافقة رجلٍ في ظهيرة جمعةٍ مشتعلة..
كانت النّظرات تلفّنا من جميع الجّهات، الأمن والشبيحة من جهة ، وأهالي الحي (بل لِنَقُل رجالَه) من جهة أخرى، كلاهما يعرف ما سبب وجودنا...
يخاطبنا رجلٌ على الرصيف: " أنتو صحافة " ، نتابع مشينا بصمتٍ وحذر، ننظرُ من حولنا نتقدّم لحظةً ونتراجع أخرى
يعلّق شابٌ ساخرا: " بدي روح عالمظاهرة يابي " ولا يضحك أحدٌ من حوله...

نسمع هتافاً خجولاً ، نتقدّم باتّجاه الصّوت أكثر فأكثر، نَصِلُ فنجد ثلاث نساءٍ تَقِفن على حافّة الرّصيف، وفي الشارع بعض الشبّان بعدد لا يتجاوز المئة يهتفون وينظرون بغضبٍ الى الشارع المقابل.
أقترب بحذر، تشدّني صديقتي من جهة، والصوت من الجّهة الأخرى ، وتناولني إمرأةٌ منديلاً مبللاً بالخلّ.
ألتفت حيث يوجّه الشبّان الغاضبون عيونهم فأرى رجال الشرطة تلاحق بعض الشباب، تعتقلهم وتزجّهم بوحشية الى داخل السيارة بعد أن ينالوا ما تيسّر من هراوات !
أقترب أكثر فأكثر، صرت بينهم، يهتفون : أبو حافظ .... يلعن روحك.... ، والدخّان يعبق في المكان، لم يعجبني الهتاف لم أردده صراحة..
أنتظر الهتاف الآخر فيهرب أحد الشباب من قبضة الأمن على الطرف المقابل، وتلحقه مجموعة، يصل إلينا ويعلو الهتاف، ألتفت فتتلاقى عيني بعينٍ غريبة ! وهراوة تكاد تنزل على رأسي !!
أصرخ: " اهربوااااااا !!!!!!!!!! " ويركض الجميع. أركض وأركض وأركض حتّى يوقفني رجلٌ ويناولني زجاجة ماءٍ مبتسماً، ألتفت فأجد صديقتي لا تزال خلفي، سنحت لها فرصة الهروب لأحد المباني لكنها آثرت البقاء معي. ابتسمتُ وابتسمت هي وقررنا الإكتفاء والعودة إلى المنزل.

ونحن في طريق العودة  لحقنا شابّ صغير لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره
كان يقول بسرعةٍ وبصوتٍ خفيض : " أنتو ضايعين؟؟ اشتلئوا عليكون الشبّيحة، لا تطلعوا من هدا الشارع،  الحقوني"
لا أعلم لمَ وثقت به، ربّما شفع له شعره الأشقر وعينيه الزيتونيّتين..
قال لي يومها: " السنة الماضية إجا لعنّا الرئيس واستئبلناه وطعميناه من عنّا، هالسنة إزا إجا ما رح نستئبلو، قتل ٣ ميادنة، ما رح نستئبلو"
أوصلَنا إلى مكانٍ آمن، كانت الساعة قد قاربت الثالثة، تركناه وبقي ينتظر مجموعةً من حيّ آخر من المفترض أن تنضمّ للمظاهرة الكبيرة... اكتشفت أنذ ما شهدته هو مجرّد مناوشات والتظاهرة الكبيرة بعد قليل !

لم أهتِف ذلك النهار، كلّ حظّي كان احمرارٌ في العين من الدّخان، زجاجةٌ من الماء والكثير من اللّهاث... وفي المساء يؤنّبني صديقي الثّائر إذ كان قد نهاني عن الخروج قبلاً،  يضحك قليلاً على سذاجتي ويرفض أن أخرج الجمعة المقبلة، أعبَس أنا فيضحك هو أكثر ويعدني بأنّه سيأخذني لمظاهرةٍ حقيقيّةٍ كتلك التي كان يحضّر لها الشّاب الصّغير.

ليست هناك تعليقات: