2011/08/27

بحصة في أزقّة دمشق : بركان دمشق (١)


دمشق شارع بغداد أمام جامع لالا باشا مقابل مدرسة اللاييك.

الخميس 21 تمّوز، ما دعي افتراضيّاً على شبكات التواصل (بركان دمشق) أو (الخميس الدمشقي)

وفقاً للاسم المختار كان من المفترض أن تخرج مظاهرات تعمّ شوارع المدينة ،  لكن معذرة أعزّائي الثوّار الافتراضيين فالتظاهر في شوارع دمشق ليس بسهولة الضغط على زر.
حاول شباب دمشق وعلى مدار اليوم تحريك الشارع في عدّة أماكن وعدّة أوقات تزامن بعضها مع أوقات صلاة المسلمين، لكن عبثاً حاولوا ، فجميع الأماكن الحيويّة مغلقة بسبب تراكم الأمن والشبّيحة وقوّات حفظ النظام التي علمت مسبقاً بالأماكن المرشحة للتظاهر والاعتصام .
ساحة المرجة، شارع الثورة، باب توما، المزّة، الميدان كلّها كانت مشلولة، فشلت دعوات صلاة الظهر، ومن بعدها العصر، وما بينهما من وقت مستقطع، كلّه باء بالفشل. 
عند صلاة المغرب كان من المفترض أن يتحرّك شارع بغداد بمظاهرة صغيرة عالية السرّية تنطلق من أمام جامع اللالا باشا المعروف بمناهضته ورفضه لحراك الشّباب السلمي،علمتُ بأمر التحرّك من أحدهم توجّهت إلى هناك علّي أرصد أحد نوبات هذا البركان. لم أكُن أعلم بالضبط توقيت صلاة المغرب فلست ضليعة بالأديان السماويّة، وصلت إلى هناك حوالي السّاعة الثامنة، كان الشارع هادئاً جداًوالحركة عاديّة وبعض المصلّين يدخلون الجامع.
تجوّلت في المكان قليلاً أرى شبّاناً يقفون هنا وفتياتٍ هناك، عدت إلى أمام الجّامع بعد عشرين دقيقة، فوجدت بعض الفتيات يجلسن على رصيف الجامع تمرّ بهم إمرأة مسنّة وتقول لهنّ (بالعامية): " شو عم تعملوا هون؟! فوتوا صلّو"  ابتسمتْ الفتيات وابتسمتُ، تلفتّتُ حولي رأيتُ الملل والترّقب في عيون الكثير، تبادلنا النظرات، تململتُ وكدتُ أفقد الأمل، استغربتُ كثيراً فالمنطقة هادئة جداً ولا وجود للأعداء غريب! هيا إذاً ! ماذا ننتظر؟!

فلبّى شابٌ ندائي ووقف بكلّ شجاعة أمام الجامع وصرخ بأعلى ما لديه من صوت فاتحاً ذراعيه إلى السماء: " الله اكبر تكبييير! الله أكبر حريّة " جزعتُ للحظة تخيّلت جحافل الأمن تهجم، لكنّ الشباب المتململ هو من هجم، مشوا خطوتين.. ها هم الآن بجانبي، فجأة صرتُ بينهم يكبّرون فأكبّر وأنظر بين الوجوه أتفحصّهم واحداً واحداً، كان نصف الذين حولي شباباً والنصف الآخر من البنات وكانت بعض الفتيات قد ارتدين علماً صغيراً يغطّين وجوههن ، كنّا نمشي ونتكاثر بالتكّبير، لم يكن يعنِ لي التكبير شيئاً في يوم من الأيّام لكننّي الآن لا أبالي، كل همّي أن أهتف، ينتهي التكبير ويبدأ الهتاف هتافاً وراء الآخر نصرة للمدن الجريحة وتعبيراً عن المؤازرة ، وفجأة ينطلق الهتاف الذي لطالما انتظرته " الشعب يريد إسقاط النظام" تغمرني الفرحة ويعلو صوتي، أربع نساء اجتمعن على شرفةٍ ينظرن إلينا ويصفّقون لنا يدعون لنا بالنّصر والسّلامة وبعض الأشخاص ينتظرون سندويشة الشاورما بذهول ،وبعد لحظات نسمع صوتا ورائنا (بالعاميّة) : " لك اخراااس يا ابن الكلب"  عرفنا جميعاً مصدر الصوت دون أن نلتفت، وانطلقنا نركض هنا وهناك، دخلتُ إلى أحد المباني فوجدتُ الباب الداخلي مغلق، كنت أكيدةً أنّ أحداً خلفي وكانت قمة الشجاعة حينها أن ألتفتْ...
التفتتُ فوجدت فتاتين تلهثان قلتُ لهما (بالعاميّة) : " الباب مسكّر امشو عالبناية التانية "، ركضنا خلسة إلى المدخل المجاور وصعدنا الدرج حتى آخر طابق، وقفنا نلهث مع شاب آخر فيُفتح الباب ويقدّم لنا شابٌ صغيرٌ الماء، وأمّه وراءه بلباس الصلاة " لحقوكن ؟؟ اشتالئو انكون فتتوا لهون ؟؟" توجّهت بحديثها إلينا،  أجابتها الفتاة : " لا خالة لا تخافي "
تبتسم وتعطينا المزيد من الماء، بعد لحظات ننزل فرادى دون أن نتبادل الأسماء حتّى...

خارجاً أرى سيّارة الأمن في أوّل الشارع فارغة لا أحد فيها من أمن او معتقلين، أبحث عن الدوريّة أجدها على بعد خطوتين تتحدث الى أحدهم فيدلّهم على الزقاق الذي هربنا إليه  ويمشي معهم إلى المكان.

يعود الشارع هادئاً والحركة عاديّة يمشي عناصر الدورية كالبلهاء ينظرون يميناً وشمالاً ، وأنا خلفهم أبتسم، مشيتُ معهم حتى آخر الشارع إطمأنّيت على من كان معي لم يُعتقل أحد ،  تبادلنا الابتسامات و التفت عنصر أمن إليّ منحتُه ابتسامةً هو الآخر وتابعتُ طريقي نحو السيارة....

بعد عدّة أيام وأنا أقلّب صفحات الانترنت بحثاً عن أخبار الخميس الدمشقي وجدت تسجيلاً مصوّراً لتظاهرتنا منذ لحظة التكبير وحتى لحظة الهروب، بالنسبة للكاميرا كان مجمل وقت التظاهر ثلاث دقائق لكن بالنسبة لي ولشباب اللالاباشا وبائع الشاورما كان الوقت أكثر بكثير فقبل التكبير وبعد الهروب لحظات لا تستطيع عدّها الكاميرات ....




ليست هناك تعليقات: