2011/09/05

بحصة في أزقّة دمشق: الطوفان !

مشينا نجوب حارات حيّ الدقّاق الدمشقيّ، تزعجنا الجدران القديمة فنخرج منتفضين عنها إلى شارع أبو حبل حيث نلتقي بجموع جامع آخر أو جامعين، تبرق عَينا صديقي الثائر، ها هو المزيد الذي وعدني به ينضمّ إلينا أو ننضمّ إليه، مزيدٌ من القلوب، مزيدٌ من الأصوات والهتافات واللافتات والأقدام نلتحم مع آلاف المتظاهرين ونمشي في شوارع الميدان كالطوفان، دون أن يقاطع أحد مسيرنا أو يعترض شبّيح طريقنا، يعلو الهتاف وكأنّ الميدان أصبح خارج سورية خارج حدود منظومة الأمن وعالم التشبيح يومها تعلّمت تعاريف جديدة للاستقلال.

أدوّر بين الوجوه  فأرى علماً صغيراً يشبه علمي أركض باتجاهه، وإذ بجمع فتيات يمشين إلى جانب المظاهرة، أقبّل فتاتين لا أعرف اسميهما، كلّ ما أعرفه أنّهم هم من أعطوني العلم وأمشي إلى جانبهم مع صديقي الثائر وأصدقائه من شباب وفتيات، نمشي نمارس الاستقلال والحريّة
منظر الشبيّحة وقوى الأمن كان قد بدأ يتلاشى من مخيّلتي إلى أن ناولني أحدهم منديلاً مبللاً بالخل وصاح بي شابٌ ميداني الشكل والعقل والحَميّة طالباً منّي التوجّه إلى طرف المظاهرة. أستنكر تصرّفه الأنانيّ ! أريد أن أكون في الوسط أصوّر وأهتف وأقود الهتاف أيضاً !!!!
كنت أعتقد أنّ صديقي هو الشرقيّ الوحيد المتبقّي على الكرة الأرضية لأكتشف أنّ الميدان تعجّ بأمثاله. لا عجب أنّه أحضرني إلى هنا!!
يضحك وكأنّه يقرأ أفكاري يمسك بيدي ويقول: " لا تخافي خليكي معنا أنت ورفئاتك "
نصل إلى أوّل الشارع بعد ما يقارب ساعة من المشي والهتاف المستمرّين  بقيادة شباب الحي يوجّهون سيرنا ويدخلونا في الطرق الآمنة . يطلب شابّ منّا الجلوس على الأرض وما إن جلست الصفوف الخمس الأماميّة حتّى حلّ ضجيج غريب مخيف مكان الهتاف، البعض يطالبنا بالبقاء جالسين بينما يصرخ الشاب الميداني آمراً بالهروب نحو الحارات الجانبيّة.
من بعيد يُقبل طوفان من نوعٍ أخر ... تنظر أمامَك وإذ بقوّات حفظ النظام والأمن وما يرافقهما يركضون باتّجاهك، ودون أن تعي شيئاً تبدأ بالركض، تسقط الناس أمامك من التدافع فتحملهم أو يحملوك وتتابع الركض، تخونك رئتاك  ترميهم بعيداً وتتابع الركض.
وعندما تصبح قنبلة الغاز بين قدميك تتذكّر منديل الخل وتستوعب أنّ عليك الانعطاف الآن فوراً  إلى الحارة الصغيرة.
 بينما أركض أنا وأصدقائي أصادف مشفى أفكّر لأقلّ من جزء من الثانية أن ألجأ هناك لكن تصفعني حقيقة أنّه في بلد الحزب الواحد تتحوّل أكثر المؤسسات مدنيّة إلى ثكنات أمنيّة ، فأطرد الفكرة فوراً من رأسي وأتابع الركض خلف صديقي الثائر وأصدقائه والفتيات كلنا نتبع الشاب الميداني حتى نصل إلى الجامع الذي انطلقنا منه ونلجأ هناك فيدعونا الإمام على المكبرات بالهدوء والسكينة وتقودنا فتاة إلى مصلى السيدات وهي تبحث لنا عن أغطية لرؤوسنا احتراما لحرمة الجامع...
يعود الإمام للصلاة بعد أن وصل الكثير من المتظاهرين للجامع فتقاطعه قنبلة غاز تُرمى في فسحة المسجد الدمشقيّ القديم، ويرتفع التكبير والدعاء مقابل صوت طرقٍ عنيف لأبواب الجامع ونوافذه فيستسلم الجميع لفكرة أنّ الأمن سينجح في اقتحام الجامع ولحظات هي قبل أن نُقتاد جميعاً والإمام معنا إلى المعتقل.

ليست هناك تعليقات: