2011/09/04

بحصة في أزقّة دمشق: أنا الآن في الدقّاق !

دمشق ، الميدان ، جامع الدقاق 2 رمضان

كان قد مرّ أسبوعين على وعد صديقي الثائر باصطحابي لإحدى التظاهرات الكبيرة " الاحترافيّة " وكنت قد بدأت أفقد الأمل بإمكانيّة خروجي، لكنّي كنت أواظب على ارتداء حذائي الرياضيّ واضعةً العلم الصغير في حقيبتي أقلّب صفحات الفيسبوك كل ساعة عللي أجد دعوة لتجمّع أو اعتصام . حتّى أقبل شهر رمضان، لم يكن يعنِ رمضان لي شيئاً في يوم من الأيام بل ولطالما كان ضيفاً ثقيل الظلّ عليّ لكنني سعدت لمجيئه هذه المرّة، واستبشرت خيراً إذ ازدادت فرصتي بالمشاركة في تظاهرة كبيرة في أحد الأحياء المنتفضة إذ كان رمضان الشهر الذي اعتبره الكثيرون شهر الخلاص والفصل وتوعّدوا النظام بمظاهرات يومية بعد كلّ صلاة تراويح حتى إسقاطه.
ويمرّ اليوم الأوّل وأنا أنتظر موعد الصلاة وأترقّب اتصالاً من صديقي الذي لم يتّصل ، أخرج في اليوم الثاني لا أحمل شيئاً إلا محفظتي والعلم الصغير لا خطّة في ذهني أو ترتيب، هو فقط شعورٌ بأنّي يجب أن أحمل العلم الصغير " للاحتياط ".
 وقبل دقائق من موعد الإفطار الرمضانيّ يرقص العلم الصغير في جيبي على رنين الجوّال، وأسمع صوت صديقي الثائر على الطرف الآخر، أردّ بجفاءٍ ويؤلمني كرهي له حينها، يداعبني مصالحاً : " خلص أنا عازمك اليوم بعد الإفطار " . عرفت فوراً أين يقصد وكان اللقاء في التاسعة، توجّهنا إلى المكان وصديقي يتحدّث طول الطريق عن روعة التظاهر في ذلك المكان  وكثرة العدد الذي تضاعف مع إقبال رمضان وجمال الهتافات وتعدّدها، ويعدني أن نأتي إلى هنا طوال أيام الشهر بعد صلاة التراويح من كلّ يوم.
نصل إلى المكان وإذا بالأمن وقوّات حفظ النظام وما يرافقهم من شرطة وشبّيحة يطوّقون المنطقة برمّتها كان أكبر تجمّع أراه لهم يوماً، وأنظر إلى صديقي الثائر : " هذا انتحار !!! "  يبتسم ويبقى صامتاً، ننزل من السيّارة ونمشي في الحيّ، يبحث صديقي عن الجامع المقصود وأنا لا أزال أصارع الخوف والقلق، كلّ الجوامع مكتظّة حتى رصيف أصغر الجوامع في الحي لم يخل من  المصلّين ، تقترب الساعة من العاشرة إلاّ ربع ونحن لا نزال تائهون بين الجوامع فيدفعني صديقي لسؤال أحد السيّدات في الشارع: " خالة وين جامع الدّقاق ؟؟ " تنظر إلى أشكالنا الغريبة وتشير بقلق إلى الأمام ....
نصل وقد خرج الجميع من الجامع،  لكن الصوت كان يهزّ كل الأرجاء و خبطة أقدام غريبة منتظمة تعلو لدقائق وتختفي ، كان ذلك نداء المصلّين لأهل الحي، و بعد لهل الللبعد حارتين وصلنا إليهم كان عددهم كبيراً جدّاً بالنسبة لتجاربي السابقة لكنه لا يزال صغيراً أمام وصف صديقي، يمسك بيدي يشدّني بينهم أرتدي العلم الصغير وأمشي... أنا الآن في الدقّاق !!
هناك في الدقّاق تنسى نفسك وتنسى من حولك تصبح أنت والمتظاهرين والهتاف كتلةً واحدة، تحتضنك الحارات الدمشقيّة ويحمل صوتك هواء دمشق ويوصله إلى أبعد مما أخذته يوماً.
هناك في الدقاّق تنظر إلى من حولك لا تعرف أحداً لكنّك تعرف أعماق الجميع، تنظر إلى من حولك فيحيطونك أملاً بحمايتك فتنسى المسافات الشخصية و وساوس " الهايجين " وتلتحم الأجساد بحثاً عن القلوب.
هناك في الدقّاق ينظر إليّ صديقي الثائر، يبتسم للثائرالصغير في داخلي ويعدني بالمزيد بعد لحظات
يتبع....

ليست هناك تعليقات: